بقلم المهندس/ طارق بدراوى
تل العمارنة وكان إسمها أخيتاتون أى أفق آتون هي العاصمة الجديدة التي أنشأها الملك إخناتون وعاش فيها ما بين 20 إلي 30 ألف شخص لمدة 17 عاما وهي تقع على بعد خمسة وأربعين كيلو متر جنوب مقابر بني حسن بمحافظة المنيا وعلى بعد عشرة كيلومترات جنوبي ملوي ضمن حدود مركز دير مواس وهو آخر مركز من مراكز محافظة المنيا قبل أن تبدأ حدود محافظة أسيوط جنوبي محافظة المنيا في شمال صعيد مصر وهي تمتد على طول الشاطئ الشرقي للنيل لمسافة تقترب من خمسة أميال وعرضها 1100 ياردة ولا تزال بقايا العاصمة القديمة موجودة حتى الآن وفى العصور الوسطى بعد أن كانت تلك المنطقة قد خربت بعد أن جاء حور محب وقام بتدميرها عقب إنقلابه على إخناتون إلي أن أتت قبيلة العمارنة وسكنت هناك لمدة طويلة شملت عدة قرون وعمروها ثم حدث أن هاجروا من المنطقة ورجعوا إلى مناطقهم الأصلية فسميت المنطقة بإسم تل العمارنة لأن من أعاد الحياة إليها هم تلك القبيلة وتل لأنها كانت تل خراب ولكن أصبحت تل مدينة صالحة للسكن ونجد في تلك المدينة المهدمة بعض من مساكن الصفوة لا تزال موجودة في الطرف الشمالي منها بمواجهة الحائط الخارجي للقصر الملكي ويضم المتحف المصري نماذج جميلة من غطاء أرضي من الجص والذي كان مصدره هذه المساكن وقد تم أيضا إكتشاف مجموعة من المقابر في تل العمارنة أهمها يقع إلى الشمال مثل مقابر ميري رع وأحمس وبنتو وآى ومقبرة العائلة الملكية التي يعتقد أنها قد تم حفرها للملك وعائلته ……
الملك إخناتون
ويعود تاريخ تلك العاصمة إلي أنه عندما أدرك أمنحوتب الرابع أو إخناتون أنه لا إمكانية للإستمرار في طيبة الأقصر حاليا بعدما أظهر كهنة آمون العداء له ولدعوته الجديدة التي حاول إدخالها بدلا من ديانة الإله آمون والعقائد الأخرى في مصر كان عليه لِزاما أن يبحث عن موقع جديد ينتقل إليه ويدعو منه لربـه آتون ذلك المعبود الذي أراد الملك به حسبما يعتقد بعض المتخصصين توحيد مجمع الأرباب المصرية وتحديدا كان ذلك فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد حيث ترك الفرعون إخناتون وزوجته الملكة نفرتيتى عبادة الآلهة المتعددة ومعابد وكهنة الكرنك فى طيبة وأسس مدينة جديدة وفى هذه المدينة الجديدة قام وأتباعه بعبادة الإله آتون إله قرص الشمس وكان هذا الشكل الأول المعروف للتوحيد بعبادة إله واحد وهكذا أسس الملك أمنحوتب الرابع أو إخناتون مدينته الجديدة ولتكون عاصمة جديدة لملكه وإنتقل بالفعل في العام الرابع من حكمه إلى تلك العاصمة الجديدة أخيتا تون ذلك المكان الذي إستقر فيه ويعرف حاليا بإسم تل العمارنة تاركا كل من منف وطيبة الأقصر حاليا اللتان كانتا بمثابة عاصمتي مصر الرئيسيتين حينذاك والمقرين الملكيين صيفا وشتاءا …..
الملكة نفرتيتي زوجة إخناتون
وتمتد مدينة تل العمارنة على مساحة خمسة وعشرين كيلومترا من منطقة تسمي الشيخ سعيد شمالا حتى منطقة تسمي الشيخ عبد الحميد جنوبا وهي منطقة محاطة بسلاسل الجبال من ثلاث جهات شرقا وشمالا وجنوبا أما حدودها الغربية فيحدها نهر النيل وتقوم على أطلالها أربعة قرى هي الحوطة الشرقية التابعة لمركز ديروط التابع لمحافظة أسيوط والعمارية الشرقية والحاج قنديل والتل الشرقى أو تل العمارنة والثلاث قرى الأخيرة تابعة لمركز ديرمواس التابع لمحافظة المنيا وتضم تلك المدينة التي أمر إخناتون بإنشائها قصرين ملكيين القصر الشمالي والقصر الجنوبي ومعابد آتون والأحياء السكنية من منازل للنبلاء وقرية للحرفيين والمقبرة الملكية التي تقع في الشمال الشرقي من المدينة وكان الملك إخناتون قد أعد مقبرة لنفسه مع تلك المقابر ولكن لأمر لم يفسره المؤرخون لم يتم دفنه فى هذه المقبرة وبالإضافة إلي المقابر الملكية توجدعدد 25 من مقابر الأفراد تنقسم إلى مجموعتين شمالية وجنوبية تقعان في أقصى شمال المدينة وهي مخصصة لكبار موظفي الدولة في عهد إخناتون وقد قام الملك بتحديد مدينته بأربعـة عشـر لوحـة تعرف بإسـم لوحـات الحـدود هذا وقد عثِرَ في المدينة على وثائق ورسائل هامة تسمي رسائل تل العمارنة تمثل الرسائل المتبادلة بين إخناتون والحكام والأمراء في البلاد التي يدين حكامها وأمراؤها بالولاء لمصر وله …..
آثار مدينة تل العمارنة
هذا وقد توالت عمليات الحفائر في تل العمارنة للكشف عن أسرار تلك المدينة ومعرفة تاريخها وتاريخ مؤسسها الملك إخناتون والتي كانت مركز دعوته الدينية وكشف أسرارها وذلك بعد أن سقطت في طي النسيان لمدة طويلة من الزمان وذلك علي النحو التالي :-
— في عام 1714م وصف الكاهن اليسوعي الفرنسي كلاود سيكارد Claude Sicard لوحات الحدود
— في عام 1798م وعام 1799م زارت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت الموقع ورسموا خريطة للمدينة
— مابين عام 1824م وعام 1826م في عهد محمد علي باشا زار جاردنر ويلكنسون Gardner Wilkinson عالم المصريات الإنجليزي الموقع مرتين وقام بتوصيفه وتعريفه
— مابين عام 1843م وعام 1845م في عهد محمد علي باشا أيضا قامت بعثة الحفائر البروسية برئاسة كارل ريتشارد لـبسيوس Karl Richard Lepsius بزيارة الموقع وقامت بتسجيل ونشر العديد من مناظر ونقوش مقابر تل العمارنة المنحوتة في الصخر
— في عام 1887م في عهد الخديوى توفيق إكتشفتت فلاحة مصرية عدد 337 لويحة أى لوحة صغيرة من الطين المجفف منقوشة بكتابات من الخط المسماري وهي اللغة الأكادية الدارجة وسميت تلك اللويحات برسائل تل العمارنة والتي تمثل العلاقات الدبلوماسية الدولية والسياسة الخارجية من خلال مراسلات متبادلة بين مصر وأمراء سوريا العليا وفلسطين وبابل وغيرهم من الحكام الموالين لمصر إبان عهدي أمنحوتـب الثالث وإبنه أمنحوتب الرابع أو إخناتون وجاء هذا الإكتشاف ليشد الإنتباه إلى تلك المدينة المنسية
— خلال عام 1891م وعام 1892م قام إليساندرو بارسانتي Alessandro Barsanti من هيئة الآثار المصرية بتنظيف مقبرة الملك إخناتون بتل بالعمارنة
— مابين عام 1891م وعام 1892م أيضا إكتشف وليم ماثيو فلندرز بتـري William Mathew Flinders Petrie أجزاء من المدينة منها القصر الملكي وأعد مسحا شاملا للمنطقة بمساعدة هوارد كارترHoward Carter مكتشف الآثار الإنجليزى الشهير والذى قام بإكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بمنطقة وادى الملوك بالأقصر فيما بعد عام 1922م وكانت حصيلة هذه الحملة 132 صندوقا مليئة بالآثار وجدت طريقها إلى متحف أشموليان بمدينة أوكسفورد البريطانية
— عام 1892م زار هوارد كارتر Howard Carter المقبرة الملكية وقام بنسخ ونشر بعض المناظر الموجودة داخلها وعلي جدرانها
— عام 1893م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني قام وليم ماثيو فلندرز بتـري بتنظيف المقابر المتواجدة في المدينة والمنحوتة في الصخر
— عام 1902م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني ايضا بدأت جمعية الكشوف الأثرية المصرية في لندن أعمال الإستكشاف والتنقيب علي الآثار في الموقع
— عام 1903م وحتي عام 1908م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني أيضا قام نورمان دي جاريس ديفيز Norman de Garis Davies بنشر صور وتاريخ وتفاصيل مقابر الأفراد بتل العمارنة في ستة أجزاء
— مابين عام 1907م وحتي عام 1914م إكتشفت البعثة الألمانية التابعة لجمعية الإستشراق الألمانية تحت إشراف لودڤيج بورخاردت Ludwig Borchardt أجزاء من المدينة فكشفت عن الحي الشرقي بها
— عام 1912م وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني أيضا عثرت البعثة الألمانية المشار إليها علي رأس الملكة نفرتيتي الشهير المعروض الآن بمتحف العاصمة الألمانية برلين وجدير بالذكر أن هذا المتحف به قسم كبير مخصص للمصريات معروض به العديد من التماثيل لملوك الفراعنة والعديد من أوراق البردى التي تحوى نصوصا دينية وأدبية تعبر عن الحياة اليومية والعادات والتقاليد والمعاملات بين الأفراد في الحياة المصرية القديمة
— مابين عام 1921م وحتي عام 1936م في عهد الملك فؤاد الأول قامت جمعية الكشوف الأثرية المصرية بعمل حفائر وتنقيب علي الآثار تحت إشراف العديد من العلماء المتخصصين في علم المصريات والكشوفات الأثرية منهم توماس إريك بيت Thomas Eric Peet وليونارد ووللي Leonard Woolley وفرانسز نيوتون Francis Newton وهنري فرانكفورت Henri Frankfort
— منذ عام 1977م تقوم بعثة جمعية الكشوف الأثرية المصرية بعمل حفائرتحت إشراف ورئاسة باري كمـب Berry Kemp ولا زالت أعمالها مستمرة حتى الآن
نقش بالمقابر الملكية بتل العمارنة